www.sunnaonline.org

سيد الإستغفار

رَوَى الْبُخَارِيُّ في صَحيحِهِ مِنْ حَدِيثِ شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ رضي الله عنهُ عنِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم أَنَّهُ قال "سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ خَلَقْتَني وَأَنا عَبْدُكَ وَأنَا على عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ".

قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلّم "سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ" أَيْ أَفْضَلُهُ. وَقَوْلُهُ "وَأَنَا عَبْدُكَ" أَيْ أَنَا عَابِدٌ لَكَ. وَقَوْلُهُ "وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ" أَيْ عَلَى مَا عَاهْدْتُكَ بِهِ وَوَعَدْتُكَ بِهِ مِنَ الإيْمَانِ بِكَ وإِخْلاصِ الطَّاعَةِ لَكَ. وَقَوْلُهُ "مَا اسْتَطَعْتُ" فيهِ إِشَارَةٌ بِالاعْتِرَافِ بِالْعَجْزِ وَالتَّقْصِيرِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالْعَهْدِ الْعَهْدَ الَّذِي أَخَذَهُ اللهُ عَلَى عِبَادِهِ حِينَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ ظَهْرِ ءادَمَ في نَعْمَانِ الأَرَاكِ في عَرَفَات وَصَوَّرَهُمْ كَأَمْثَالِ الذَّرِّ وَأَشْهَدَهُمْ على أَنْفُسِهِم، وَقَالَ الْمَلَكُ لَهُمْ مُبَلِّغًا عَنِ اللهِ: إِنَّ رَبَّكُمْ يَقُولُ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلى. وَقَوْلُهُ "أَبْوءُ لَكَ" أَيْ أَعْتَرِفُ وَأُقِرُّ لَكَ. وَقَوْلُهُ "وَأَبُوءُ بِذَنْبِي" أَيْ أَعْتَرِفُ بِهِ.

قَالَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيُّ في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَفي رِوَايَةٍ "مَنْ قَالَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ"وَمَعْنَى "مُوقِنًا" مُخْلِصًا وَمُصَدِّقًا بِثَوَابِهَا، وَهَذَا الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ في بَابِ {أَفْضَلُ الاسْتِغْفَارِ}، وَقَدْ جَمَعَ هَذَا الْحَديثُ مِنْ بَدِيعِ الْمَعَاني وَحُسْنِ الأَلْفَاظِ مَا يَحِقُّ لَهُ أَنْ يُسَمَّى سَيِّدَ الاسْتِغْفَارِ، فَفِيهِ الإقْرَارُ للهِ وَحْدَهُ بِالأُلُوهِيَّةِ وَالْعُبُودِيَّةِ وَالاعْتِرَافُ بِأنَّهُ الْخَالِقُ أَيِ الَّذِي أَبْرَزَ كُلَّ شَىْءٍ مِنَ الْخَلْقِ مِنَ الْعَدَمِ إِلى الْوُجُودِ فَيَدْخُلُ في ذَلِكَ الأَجْسَامُ وَالأَعْمَالُ سَوَاءٌ كَانَتْ خَيْرًا أَوْ شَرًّا، فَلَّمَا كَانَ اللهُ خَالِقَ كُلِّ شَىْءٍ عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ اسْتِحَالَةُ أَنْ يَكُونَ مُشَابِهًا لِشَىْءٍ مِنْ خَلْقِهِ لأَنَّ الشَّىْءَ لا يَخْلُقُ شَبِيهَهُ، وَالإقْرَارُ بِالْعَهْدِ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْهِ، وَالرَّجَاءُ بِمَا وَعَدَهُ بِهِ، والاسْتِعَاذَةُ مِنْ شَرِّ مَا جَنَى الْعَبْدُ عَلى نَفْسِهِ، وَفيهِ إِضافَةُ النَّعْمَاءِ إلى خَالِقِهَا وَإِضَافَةُ الذَّنْبِ إلى نَفْسِهِ (أَيِ الْعَبْدِ) وهذا من باب الأدب، وإلا فالله خالق كلّ شئ سواء كان خيرا أو شرّا. وَرَغْبَتُهُ في الْمَغْفِرَةِ، وَاعْتِرَافُهُ بِأَنَّهُ لا يَقْدِرُ أَحَدٌ على ذَلِكَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعالى.

والله تعالى أعلم وأحكم


رابط ذو صله : http://www.sunnaonline.org
القسم : الأدعــية والأذكــار
الزيارات : 4722
التاريخ : 25/2/2012