www.sunnaonline.org

القرءان ذو وجوه

قال الشيخ رحمه الله: "القُرآنُ ذُو وُجُوهٍ" كمَا قالَ عُمرُ بنُ الخطّاب وعليُّ بنُ أبي طَالِب رضي الله عنهما معناهُ في كثِيرٍ مِن آياتِه احتِمالاتٌ وهذه الاحتِمالاتُ يَزِلُّ فيها كثيرٌ مِن النّاس ولا يَهتَدُونَ للمَعنى المراد بها بل يَزِيغُونَ عن المعنى المراد بها، لذلكَ نجِدُ المعتزليّ يحتَجُّ بالقرآن في بعضِ مسَائلِه وكذلكَ الخوارجُ نجِدُهم يحتَجّون ببعضِ الآيات القُرآنيةِ في بعضِ مسَائلهِم وكذلكَ أُناسٌ غَيرُهم حتى بَعضُ الزّنادِقةِ الذين لا "يَنتَحِلُونَ" دِيناً يحتَجّونَ ببعضِ الآياتِ لتَصحِيحِ ما يَذهبُون إليهِ، ثم مَن أَقفَلَ اللهُ تَعالى قَلبَهُ فمَهما رأى مِنَ الدّلائل لا يُبصِرُ ذلكَ الحقّ، لا يَفهَمُ قَلبُه ذلكَ الحقَّ وإن نظَر إليهِ بعَينَيه، وإن نظَر إلى هذه الأدلّةِ القُرآنيةِ بعَينَيه لكن لا يهتَدي لفَهمِ مَعانيْها على الوجهِ المرادِ للهِ تَبارك وتعالى، وكذلكَ الأحاديثُ كثيرٌ مِنها ذَواتُ وجُوهٍ، لذلكَ ورَدَ في بعضِ أَدعِيةِ الرّسولِ صلى الله عليه وسلم "طلَبُ الهدايةِ منَ اللهِ تعالى لما أختُلِفَ فيه مِنَ الحقّ" الله تَعالى شَاءَ في الأزل أن يختَلِفَ البشَرُ في أفهامهِم ومسَاعِيْهِم ومُيُولهِم ثم شَاء أن يَهتَدِيَ قِسمٌ مِنهُم إلى الحقّ وشَاءَ في الأزلِ أن يَزيغَ بَعضُهم عن فَهمِ الحقِّ وإصابَتِه فتَنفّذ ذلكَ.

هذا البشَرُ كلُّه مِن آدمَ، وآدمُ كانَ مسلِمًا نَبيًّا رَسولاً ثم دَعا أولادَهُ إلى الإسلام فعَاشُوا مسلِمينَ وعاشَ بَعدَهُم ذُريّتُه على الإسلام، عَددٌ كثِيرٌ إلى أن جاءَ قَومُ نُوحٍ فظهَرت في قومِ نُوحٍ أَعمالُ الكفرِ ثم بعدَ ذلكَ لم يزل البشرُ قِسمٌ منهم مؤمنينَ وقِسم كافرينَ ولو بقُوا على ما كانَت عليهِ ذُرِّيةُ آدمَ لم يكن دِينٌ بينَ البشر إلا الإسلام.


س:
لو شَرحتَ لنا قولَ الرّسول الذي فيه طلَب الهداية مِن الله.

ج: قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في أَدعِيةٍ لهُ "اِهدِنا لِما اختُلِفَ فيهِ مِنَ الحقّ" معناهُ أنّ عِبادَك اختَلفُوا في أشياءَ فاهدِنا للصّوابِ فيما اختَلفُوا فيهِ مِنَ الحقّ.

س: قيل: علَينا أن لا نيأس مِن الدّعوة إلى الله تعالى لأنّنا لا نَدري متى يشاءُ الله تعالى لهؤلاء النّاس الهدايةَ، هذا هو مَغزَى كلامِنا أليسَ كذلك.


ج: المقصودُ أنّ مَصِيرَ العِبادِ مُغَيَّبٌ عنّا نحنُ علَينا أداء ما كُلّفنا به، نأمُر بالمعروف ونَنهَى عن المنكر، وعلَينا أن نَأتمر بما أمَرَنا اللهُ بهِ مِن أداءِ الواجِب واجتِناب المحرّمات، ولكنْ نَجزِمُ ونَعتقِدُ بأنّه لا يكونُ مما نحاولُه إلا ما شاءَ الله أن يكونَ، فما شاءَ الله أن يكونَ لا بُدّ أن يكونَ وما لم يشأ أن يكونَ لا يكون، معَ الجَزم بذلكَ جَزمًا تامًّا نَعملُ ونَسعَى ونَأمُر ونَنهَى، فلَيس لنا أن نقولَ المستقبَلُ مُغَيَّبٌ عنّا فلِماذا نَدعُو ولماذا نَعمَلُ.


وفيما ذكَرنا بيانُ أنّهُ لا يَنبَغِي الاغتِرارُ بمجرّدِ قَولِ الشّخصِ شَيئًا ثم إيرادُ آيةٍ أو حَديثٍ لأنّ مِنَ النّاسِ مَن يُورِدُونَ الآياتِ والأحاديثَ في غَيرِ مواضِعها فهؤلاءِ الأخْذُ بآرائهِم والاقتِداءُ بهم مَهلَكةٌ وضَلالٌ ومِنَ النّاس مَن يُورِدُونَ الآياتِ والأحاديثَ في مواضعِها فهؤلاءِ الذينَ يجِبُ الأخذ بكلامِهم، وهذا يَحصُل بعدَ الممَارسةِ للعِلم بالتّلَقِّي مِن أهلِ المعرفةِ الذينَ تَلقَّوا عَمّن قَبلَهُم وأولئكَ عمّن قَبلَهُم وهكذا إلى الصّحابة، لأنّ هؤلاء أئمةُ العِلم لم يكونوا مُقتَنِعين بأنفُسِهم بحيث يَعمِدُ أحَدُهم إلى شراءِ كتُبٍ ثم مُطالعَتها بنَفسِه( دونَ تلَقّ مِن أهلِ المعرفة) لا، بل أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم الذينَ شَهِدوا الوَحيَ والتّنزيلَ لم يكونُوا بعدَ وفاةِ رسولِ الله تاركينَ لطَلبِ العِلم ممّن هُم أَعلمُ مِنهُم.


هذا عبدُ الله بنُ عباس ابنُ عمّ رسولِ الله الرسولُ دَعا لهُ بأن يُفقّهَه اللهُ تعالى في الدِّين ويُعلّمَه الحِكمَة والتأويل،كانَ حَريصًا على التّلقّي مِن رسولِ الله في حَياتِه صلى الله عليه وسلّم ثم لما تُوفّي ما قَعَدَ في بَيتِه وتَربّع للنّاس للإقبالِ علَيهِ بل كانَ يَذهَبُ إلى هَذا وإلى هذا مِن أصحابِ رسولِ الله الذين هُم أكبَرُ مِنهُ سِنّا وأكثَر مُلازمةً لرسولِ الله لأنّه لما توفّي رسولُ الله لم يكن بلَغَ الحُلُم، لكن كانَ في صِغرِه هو حَريصًا على تلَقِّي العِلم، اِستَفاد مِن رسولِ الله مُشَافهَةً ثم بعدَ وفاتِه صارَ يَطلُب مِن هذا وهذا وهذَا حتى إنّه كانَ يتَردّدُ إلى زَيدِ بنِ ثابِت لتَلقّي العِلم منه، ذاتَ مَرّةٍ أخَذَ برِكاب بغْلَةِ زَيدِ بنِ ثابت ثمَّ مُراعاةً لحقِّ قَرابتِه لعبدِ الله بنِ عَباس مِن رسول الله قبَّل لهُ يدَهُ، المقصودُ أنّهُ لم يتَرفّع عن تَلقّي العِلم والتّردّد إلى أبواب أهلِ العِلم، لم يتَرفّع لم يقُل أنا ابنُ عمّ رسول الله كيفَ أَذهَب إلى بُيوتِ الناس لأتَلقّى مِنهُم وقَد تَلقّيتُ مِن رسولِ الله ما كُتِبَ لي مُشَافهةً.


وكانَ عمرُ بنُ الخطّاب رضي الله عنه يَعرِفُ لهُ صِدْقَهُ وقُوّةَ عِلمِه وكان يُحضِرُهُ مَجالِسَهُ التي يَحضُرُها كِبارُ الصّحابةِ مَع صِغَر سِنّه فلَما عُوتِبَ في ذلكَ لأنَّه يُقرّبُ عبدَ الله بنَ عبّاس ولا يفعلُ ذلكَ بأبناءِ هؤلاء الكِبار مِن الصّحابة قال "إنّهُ فَتى الكُهُولِ لهُ لِسَانٌ سَؤولُ وقَلبٌ عَقُول" بَيَّنَ لهم مَزيّتَهُ على أَقرانِه، فهذِه الآيةُ آيةُ {لا إكراهَ في الدِّين} وآيةُ {أفأَنتَ تُكرِهُ الناسَ حتى يَكونُوا مؤمنين} زَلَّ عن فَهمِها كثِيرٌ مِنَ الناس فهَلَكُوا، هذِه الآيةُ ليسَ مَعناها أنّ المسلمينَ ليسَ علَيهِم أن يُجاهِدُوا ليُدخِلُوا عِبادَ اللهِ في الإسلام الذي هو دِينه المرضِيُّ المقبُولُ عندَه، لا دِينَ مَرضِيٌّ مَقبُولٌ عندَه غَيرُه.
ويَكفِي في ذلكَ أي إيضَاحًا وبيَانًا أنّ عليَّ بنَ أبي طالب لما جاءهُ رسولُ الله إلى خَيبرَة وقَد أَعطاهُ الرّايةَ قالَ رضي اللهُ عنه يا رسولَ الله أُقاتِلُهُم حتى يكونُوا مِثلَنا، معناهُ لأجل أن يَدخُلوا في الإسلام قالَ لهُ [أُنفُذْ على رِسْلِك]، معناهُ الجهادَ ليسَ المقصودُ الأصليُّ منهُ المال إنما المقصُودُ الأصليُّ منهُ إنقاذُ الناسِ مِنَ الكفرِ إلى الإسلام.

عن سهل بن سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم خيبر [لأعطِيَنّ الرّايةَ غَدًا رجُلاً يَفتَحُ اللهُ على يَديهِ يحِبُّ اللهَ ورَسُولَهُ ويُحِبُّه اللهُ ورَسولُه] قال فبَاتَ الناسُ يَدُوكُونَ لَيلَتَهُم أيُّهم يُعطَاها فلما أصبَح الناس غَدَوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلّهم يَرجُو أن يُعطَاها فقال
[أينَ عليّ ابن أبي طالب] فقيل هو يا رسولَ الله يَشتكِي عَينَه قال [فأرسِلُوا إليه] فأتي بهِ فبَصقَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في عَينِه ودَعا لهُ فبَرأ كأن لم يكنْ به وجَعٌ فأعطاه الرّايةَ فقال عليٌّ يا رسول الله أقاتِلُهم حتى يكونُوا مِثلَنا قال [انفُذْ على رِسلِك (أي انفَصِلْ وامْضِ سَالما) حتى تَنزِلَ بسَاحَتِهم ثم ادْعُهم إلى الإسلام وأَخبِرْهُم بما يجبُ علَيهِم مِن حَقّ اللهِ فيهِ، فوَالله لأنْ يَهدِيَ اللهُ بكَ رجُلاً واحِدًا خَيرٌ لكَ مِن حُمرِ النّعَم] رواه البخاري ومسلم.

تاريخ الإضافة : 27/2/2011
الزيارات : 5358
رابط ذو صله : http://www.sunnaonline.org
الكاتب : SunnaOnline | سنة اون لاين
القسم : مختارات من دروس الهرري

التعليقات على الماده