هذا الذي قالَهُ أَبو القاسِمِ الرَّافِعِيُّ، وقالَ غَيرُهُ مِنَ الأَولياءِ - مِن أَهلِ ذَلِكَ الزَّمَنِ -:" اتَّفَقَ المشايِخُ - أَي الصّوفِيَّةُ - على أَنَّ الشَّيخَ أَحمَدَ الرِّفاعِيَّ أَجَلُّ المشايِخِ قَدرًا؛ ثمَّ إِنَّ طَريقَةَ سَيِّدِنا أَحمَدَ الرِّفاعِيِّ لها امتِيازٌ مِن بَينِ الطُّرُقِ كُلِّها وهِي أَنَّ اللهَ تَعالى حَفِظَ أَتباعَ سَيِّدِنا أَحمَدَ الرِّفاعِيِّ في الطَّريقَةِ مِنَ القَولِ بِعَقيدَتَينِ هُما مِن أَكفَرِ الكُفرِ، إِحداهُما القَولُ بِأنَّ اللهَ يَحُلُّ في الأَشخاصِ - يَدخُلُ في الأَشخاصِ - ، والثّانِيةُ القَولُ بِأنَّ اللهَ والعالَمَ شىءٌ واحِدٌ. هاتانِ الكُفرِيَّتانِ دخَلتا في بَعضِ القادِرِيَّةِ وفي بَعضِ الشّاذِلِيَّةِ- بَل في الشّاذِلِيَّةِ أَكثَرَ - وفي بَعضِ النَّقشَبَندِيَّةِ وفي غَيرِهِما دَخَلَتا. في زَمانِنا هذا يوجَدُ مَن يَنتَسِبُ للشّاذِلِيَّةِ وَيَقولُ والعِياذُ بِاللهِ: بِأَن اللهَ داخِلٌ في كُلِّ شَخصٍ ذَكَرٍ أَو أُنثى، ويوجَدُ في بَعضِ هَؤلاءِ مَن يَقولُ والعِياذُ بِاللهِ: إِنَّ اللهَ والعالَمَ كالثَّلجِ والماءِ الذي فِيهِ، بَعضُ الشّاذِلِيَّةِ قالَ ذَلِكَ، يَقولونَ: العالَمُ كالثَّلجِ والماءُ الذي فيهِ هو اللهُ، هاتانِ الكُفرِيَّتانِ أَقبحُ مِن كُفرِ اليَهودِ لأَنَّهُم جَعلوا كُلَّ شىءٍ مَحَلاًّ للهِ.
والآخَرونَ جَعَلوا كُلَّ شىءٍ جُزءًا مِنَ اللهِ هُنا في لُبنانَ وفي سوريا وفي الأُردُنّ وفي فِلَسطينَ يوجَدُ هؤلاءِ الذينَ يَقولونَ "اللهُ داخِلٌ في كُلِّ شَخصٍ"، بَل زادوا على ذَلِكَ أَن قالوا لِبَعضِ الأَشخاصِ " هذا الجِدارُ اللهُ وأَنتَ اللهُ ".
اللهُ تَعالى حَفِظَ الرِّفاعِيَّةَ مِن هذا لأَنَّ شَيخَها شَيخَ الطَّريقَةِ الرِّفاعِيَّةِ كانَ شَديدَ النَّكيرِ في حَياتِهِ على هاتَينِ الفِرقَتَينِ الحُلولِيَّةِ والاتِّحادِيَّةِ،كانَ يُحذِّرُ تحذيرًا شَديدًا في بَعضِ مُؤلّفاتِهِ وفي دُروسِهِ، لأَنَّهُ كانَ يَهتَمُّ بِالدُّروسِ، لِذَلِكَ ما أَلَّفَ كُتُبًا كَثيرَةً،كانَ يُدَرِّسُ أَوَّلَ النَّهارِ في عِلمِ الفِقهِ والحديثِ والتَّفسيرِ والتَّوحيدِ وفي ءاخِرِ النَّهارِ كَذَلِكَ، وكانَ يومَ الخميسِ يَتَفَرَّغُ للوَعظِ، يجلِسُ على كُرسِيٍّ مُرتَفِعٍ حتّى يَراهُ النّاسُ مِن كَثرَةِ الذينَ يَحضُرونَ مجلِسَ وَعظِهِ، الأُمَراءُ والعُلَماءُ والصُّوفِيَّةُ والعَوامُّ كانوا يحضُرونَ مجلِسَ وَعظِهِ. مَرَّةً جَلَسَ على كُرسِي الوَعظِ وكانَ في ذَلِكَ المجلِسِ مِنَ اليَهودِ والصّابئَةِ، وهذِهِ الصّابِئَةُ طائِفَةٌ مِنَ الكُفّارِ، فَلَمّا سمِعوا كَلامَهُ أَسلَمَ نحوُ ثمانيةِ ءالافٍ مِن هَؤلاءِ، ومِنَ الغافِلينَ مِن أَهلِ السُّنَّةِ تابَ أَربعونَ أَلفًا. وَكانَ مِنَ الكَراماتِ التي أَعطاهُ اللهُ إِيّاها أَنَّهُ كانَ يجتَمِعُ عِندَهُ في السَّنَةِ لَيلةً مائةُ أَلفٍ أَو أَكثَرُ، يجتَمِعونَ ثمَّ هو يَكفيهِم طعامَهُم وشَرابَهُم، كُلُّهُم يَأكلونَ ويَشرَبونَ وهو لم يَكُن مَلِكًا ولا مِن بَيتِ وِزارَةٍ، أَهلُهُ ما كانوا مُلوكًا ولم يَكُن فيهم وُزراءٌ، إِنَّما هُو بِسِرٍّ أَعطاهُ اللهُ إِيّاهُ كَفى هذا الخَلقَ الكَثيرَ طعامَهُم وشَرابَهُم. وكانَ يُسَمّى أَبا العَلَمَينِ، ويُسَمّى أَبا العَبّاسِ، ويُسَمّى شَيخَ العُرَيجاءِ لأَنَّهُ مَرَّةً خَرَجَ إِلى قَريَةٍ لَهُ فيها مُريدونَ أَتباعٌ، فاستَقبلوهُ رِجالاً ونِساءً، وكانَت فيهم بِنتٌ صَغيرَةٌ عَرجاءُ حَدباءُ قَرعاءُ، فَلَمّا رَأتِ الشَّيخَ تَوَجَّهَت إِليهِ وطَلَبت إِليهِ الدُّعاءَ، وقالَت: إِنّي كَرِهتُ نَفسي مِن كَثرَةِ ما تَستَهزِئُ بي بَناتُ القَريَةِ، فَدَعا اللهَ لها فاستقامَت رِجلُها في الحالِ واستقامَ ظَهرُها وذَهَبَ عَنها القَرعُ، فَمِن شِدَّةِ الإِعجابِ بهذِهِ الكرامَةِ سمّاهُ النّاسُ شَيخَ العُريجاءِ أَي الشَّيخَ الذي شَفى البِنتَ العَرجاءَ. فمِن أَجلِ اهتِمامِهِ بالعِلمِ وبمزيدِ العِنايَةِ بِعِلمِ العَقيدَةِ طَريقَتُهُ حُفِظَت، إِلى يَومِنا هذا لا يوجَدُ مَن يَقولُ فيهم مِن أَهلِ طَريقَتِهِ: "اللهُ حالٌّ في الأَشياءِ أو في بَعضِ الأَشياءِ"، ولا أَحَدٌ يَقولُ: "اللهُ والعالَمُ شَىءٌ واحِدٌ". ولا مَن يَقولُ: "هُو اللهُ واحِدٌ صارَ كثيرًا"، لا يوجَدُ في هؤلاءِ مَن يَقولُ بهذا الكُفرِ الشَّنيعِ، وللهِ الحمدُ على ذَلِكَ. ثمَّ أَيضًا كانَ الإِمامُ الرِّفاعيُّ يُحذِّرُ مِنَ الحلاّجِ، الحلاّجُ تُوفِّيَ قَبلَ سَيِّدِنا أَحمَدَ بِثلاثِمائةِ سَنَةٍ تَقريبًا،كانَ يُحَذِّرُ مِنهُ ويَقولُ: "ليسَ على الحقِّ، لو كانَ على الحقِّ ما قالَ: أَنا الحقُّ" ومعنى قَولِ الحلاّجِ: "أنا الحقُّ" أَنا اللهُ والعِياذُ بِاللهِ، لأَنَّ الحقَّ مِن أَسماءِ اللهِ، سَيِّدُنا أَحمدُ الرِّفاعيُّ حَكَمَ بِأَنَّهُ ضالٌّ، وهذا هو الحقُّ وأَكثَرُ الصّوفِيَّةِ قالوا "الحلاّجُ لَيسَ مِنّا"، لِذَلِكَ في الماضي كانَ عَدَدٌ قَليلٌ يمدَحُهُ، أَمّا اليومَ كَثُروا، إِن جَلَستَ مَع بَعضِ القادِرِيَّةِ تَسمَعُ بِمدحِهِ، وإِن جَلَستَ مَع الشاذِلِيَّةِ تَسمَعُ بِمدحِهِ وإِن جَلَستَ مَع بَعضِ النَّقشَبَندِيَّةِ كَذَلِكَ تَسمَعُهُم يَمدَحونَهُ، وَكَذَلِكَ غَيرُهُم، إِلاّ الرِّفاعِيَّةَ عَرفوا أَنَّهُ ضالٌّ لِقَولِ شَيخِ الطَّريقَةِ سَيِّدِنا أَحمدَ الرِّفاعِيِّ بِأَنَّ الحلاّجَ ضالٌّ، وهذا مِن مَزايا الرِّفاعِيَّةِ.
التعليقات على الماده