الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله. وبعدُ يقول الله تبارك وتعالى ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ [الأحزاب/23].
هكذا هي الدنيا يرِد إليها الناس مأمورين بعبادة الله وطاعته، ومنهم عباد الله الصالحون الذين يؤدون الواجبات ويجتنبون المحرمات ويعمرون الدنيا بالخير، وينشغلون فيها باكتساب الحسنات، معرضين عن شهواتها، مقبلين على ثواب الآخرة حتى إذا مضت الأيام وجاء الأجل تراهم قد فرحت نفوسهم واطمأنت وارتاحت ونعمت بوعد الله. هذا حال الأتقياء أما أحباؤهم فإنهم يشعرون بالحزن لفقدهم، وهذا هو حال طلاب وأحباب العالم الجليل الولي الصالح الشيخ عبد الله الهرري الذي رحل عن هذه الدنيا تاركا نهجا نقيا سليما. هذا هو حال هؤلاء الذين عرفوا قدر هذا المربي والعالم الربّاني، ذلك أن رحيل أصحاب المقامات العلية من الأصفياء المخلصين والأولياء الصالحين غم يصيب عباد الله المؤمنين.
لقد أصابنا الحزن والغم لفقدان سلطان العلماء والأولياء في عصرنا الشيخ عبد الله الهرري رحمات الله عليه، وقد ودّعناه رجلا جمع في نفسه وقلبه علوم السلف والخلف، وأزكى خصال الخير والتقوى والورع، ففاضت علينا بركات زهده وومضات فكره بالمآثر المليحة والمعرفة الصحيحة عزا ومجدا ورفعة وسناءً وطيبة وحسنا. كيف لا نحزن وهو ولي الله، المجدد المفسر المحدث، الحافظ الفقيه اللغوي، علامة الدنيا الصوفي الزاهد، جامع الفنون والعلوم الشيخ عبدالله الهرري الحبشي رحمه الله ورضي عنه، وهو الذي أعطاه الله البركة في همته وجُهده وعلومه حتى انتشرت دعوته في أرجاء المعمورة في المساجد والمصليات والمراكز الإسلامية والثقافية والمدارس التي بناها طلابه بتوجيهاته الرشيدة، وهي بحق أماكن تعبق بأُنْس الأنوار المحمدية الزكية، تزدهي بأطيب الجنى وألذ الثمار.
إنها كلمات عن غوث الزمان نابعة من قلبي وأكتبها بيد لهفتي، كيف لا وهو الشيخ المرشد والوالد الحنون، كيف لا وهو المعلم والمربي، وهو الطبيب الحبيب الذي كنا نعوده وهو في ذروة مرضه فيسأل عن أخبار الصغير والكبير فينا، ولا يأذن لنا بالمغادرة إلا بعد أن يطمئن على أحوالنا فيفرح إن وجدَنا في خير وطاعة ويألم إن وجدنا غير ذلك. إنه العالم الذي قمع الله به شبهات المشبهة المجسمة، وأفكار خوارج العصر التي تدمر المجتمعات فتصدى لها في زمن كثر فيه التخلي، وماتت فيه الهمم، فأوقف تسللها إلى بيوت المسلمين وعقول أبنائهم حتى كاد له أعداء الدين كل الكيد. وكما أغاظهم في حياته رضي الله عنه أغاظهم برحيله لأن نهجه بقي متألقا في طلابه ومريديه.
إنه العالم الذي عمل طيلة حياته ليلقى الراحة بعد الموت فكان يعلّمنا قول الله تعالى ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ وهو الذي أمضى أيام طفولته وشبابه في تلقي العلوم الشرعية، ثم أمضى عمره متنقلا في البلدان ناشرا للخير داعيا إلى الحق، محاربا في سبيل صيانة عقائد المسلمين حتى بلغ من العمر ما بلغ. عمر مديد وصبر جميل، كل ذلك حتى يلقى الراحة التي ينشد، والنعيم الذي يأمل، والنجاة التي من أجلها أتعب جسده وقلبه كل هذه السنوات الطويلة.
لقد كان شيخنا مرابطا صابرا متواضعا، وتوفي على ما هو عليه فرحمه الله رحمة عظيمة ورضي عنه وجزاه عنا جزاء حسنا في جنات النعيم مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تاريخ الإضافة : | 19/11/2010 |
الزيارات : | 5002 |
رابط ذو صله : | http://www.sunnaonline.org |
الكاتب : | SunnaOnline | سنة اون لاين |
القسم : | مقالات في فضائل الهرري |
التعليقات على الماده