www.sunnaonline.org

مشيئة الله لا تتغير لا في النصف من شعبان ولا في غيره

 

الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلوات الله البرِّ الرحيم والملائكة المقربين وعلى جميع إخوانه من النبيين والمرسلين


ليعلم أن مشيئة الله تعالى شاملة لكل أفعال وأقوال العباد فلا يحصل شىء في هذا العالم إلا بمشيئة الله تعالى وتقديره وخلقه، ومشيئة العباد تابعة لمشيئة الله تعالى كما قال تعالى
{وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}
التكوير29
. فكل ما دخل في الوجود هو بمشيئة الله تعالى سواء كان خيرًا أو شرًا، طاعة أو معصية، كفرًا أو إيمانًا، لأنه لا خالق لشيء من الأشياء إلا الله تبارك وتعالى. ومما استدل به أهل الحق على شمول مشيئة الله للخير والشر قول الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء} ءال عمران/ 26. فعلمنا من قوله تعالى {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء} أنه هو خالق الخير والشر لأنه هو الذي ءاتى أي أعطى الملك للملوك الكفرة كفرعون والملوك المؤمنين كذي القرنين.

فإن قيل:
كيف يكون خالق الشر فينا ثم يحاسبنا في الآخرة على الشر؟
فالجواب إنّ هذا من قياس الخالق بالمخلوق، وذلك ضلالٌ.

فمن أصول اعتقاد أهل التنزيه، أهل التوحيد الذين هم على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن تبعهم بإحسان أن من شاء الله تعالى له في الأزل أن يكون مهتديًا فلا بد أن يهتدي باختياره، الله تعالى يلهمه الإيمان والتقى، ومن شاء الله تعالى في الأزل أن يكون على خلاف ذلك أي أن يكون ضالاً كافرًا أضله أي جعله كافرًا فيختار هذا العبد الكفر.
وكلٌّ من الفريقين يكون له اختيار، هذا يختار الإيمان لأن الله شاء في الأزل أن يكون مؤمنًا مهتديًا باختياره، وهذا يختار الكفر لان الله تعالى شاء في الأزل أن يكون كافرًا ضالاً.

ومن أقوى الأدلة على شمول إرادة الله لكل أعمال العباد معاصيها وطاعاتها قول الله تعالى {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ}
ءال عمران/ 166 هذه الآية وردت فيما أصاب المسلمين يوم أُحُد من قِبل الكفار من الضرر حين انهزم الذين خالفوا أمر الرسول بتركهم للموضع الذي أمرهم أن لا يتركوه فإن الكفار كروا عليهم فهزموهم فحصل في المسلمين قتلٌ كثير وجراحات.
يعني الله تبارك وتعالى بقوله {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} أي ذلك، {فَبِإِذْنِ اللّهِ} أي بإرادته ومشيئته، فهذه الآية فيها دليلٌ واضح لأهل الحق أن المعاصي والشرور التي يفعلها العباد بمشيئة الله وإذنه وإرادته، لأنه لا يمكن تفسيرها بمعنى الأمر، أي بمعنى أن ما حصل من أذى من المشركين للمسلمين في تلك المعركة هو بأمر الله.

ثم ليعلم أن مشيئة الله تعالى أزلية أبدية كسائر صفاته لأنه يستحيل أن تكون صفة من صفات الله تعالى حادثة تحدث في الذات؛ لأن حدوث صفة في ذات الله يستلزم حدوث ذاته، فمن قال إن الله تعالى حدثت له مشيئة شىء بعد أن لم يكن شايئًا له فهذا ضلال والعياذ بالله، وكذلك من يقول إن مشيئة الله تتغير فقد وصفه بالحدوث لأن المتغير يحتاج إلى من يغيّره والمحتاج إلى غيره لا يكون إلهًا خالقًا بل يكون مخلوقًا.


تحذير


بعد هذا البيان لا بد من التحذير مما يقوله بعض الجهال في ليلة النصف من شعبان عند قراءتهم لدعاء مشهور بينهم مع كونه ليس واردًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس ثابتًا عن أحد من الصحابة، يقولون فيه "اللهم إن كنتَ كتبتني عندك في أمِّ الكتاب شقيًا أو محرومًا أو مطرودًا أو مقترًا عليّ في الرزق فامح اللهم بفضلك شقاوتي وحرماني وطردي وإقتار رزقي...الخ"


فإن من يعتقد أن الله يغير مشيئته بدعوة داع فقد فسدت عقيدته لأن مشيئة الله لا يطرأ عليها تغيير ولا تحول بدعوة ولا بصدقة ولا بنذر أو غير ذلك.

ولو كان يغير مشيئته بدعوة لغيّرها لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم، حيث إن الرسول قال [سألت ربي أربعًا فأعطاني ثلاثًا ومنعني واحدة: سألته أن لا يُكفر أمتي جملة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلكهم بما أهلك به الأمم قبلهم فأعطانيها، وسألته أن لا يُظهر عليهم عدوًا من غيرهم فيستأصلهم فأعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها]. وروى مسلم عن ثوبان هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [سألت ربي ثلاثًا فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة" وفي رواية " قال لي يا محمد إني إذا قضيتُ قضاءً فإنه لا يُرَدّ].

اللهم إن النصف الأول من شعبان قد ولى واقترب شهر البركة والخير والنور رمضان فأسألك إلهي أن تبلغنا إياه وتجعلنا من عتقاء شهر الرحمة رمضان.

رابط ذو صله :
القسم : مقالات وردود شرعية
الزيارات : 5500
التاريخ : 23/12/2010