www.sunnaonline.org

بداية انحراف ابن تيمية


ليعلم أن أحمد بن تيمية هذا الذي هو حفيد الفقيه المجد بن تيمية الحنبلي المشهور، ولد بحران ببيت علم من الحنابلة، وقد أتى به والده الشيخ عبد الحليم مع ذويه من هناك إلى الشام خوفا من المغول، وكان أبوه رجلا هادئا أكرمه علماء الشام ورجال الحكومة حتى ولّوه عدة وظائف علمّية مساعدة له، وبعد أن مات والده ولّوا ابن تيمية هذا وظائف والده بل حضروا درسه تشجيعا له على المضيّ في وظائف والده وأثنوا عليه خيرا كما هو شأنهم مع كل ناشئ حقيق بالرعاية. وعطفهم هذا كان ناشئا من مهاجرة ذويه من وجه المغول يصحبهم أحد بني العباس- وهو الذي تولى الخلافة بمصر فيما بعد، ومن وفاة والده بدون مال ولا تراث بحيث لو عيّن الآخرون في وظائفه للقِىَ عياله البؤس والشقاء. وكان في جملة المثنين عليه التاج الفزاري المعروف بالفركاح وابنه البرهان والجلال القزويني والكمال الزملكاني ومحمد بن الحريري الأنصاري والعلاء القونوي وغيرهم.

لكن ثناء هؤلاء غرّ ابن تيمية ولم ينتبه إلى الباعث على ثنائهم، فبدأ يذيع بدعا بين حين وءاخر، وأهل العلم يتسامحون معه في الأوائل باعتبار أن تلك الكلمات ربما تكون فلتات لا ينطوي هو عليها، لكن خاب ظنهم وعلموا أنه فاتن بالمعنى الصحيح، فتخلّوا عنه واحدا إثر واحد على توالي فتنه.

ثم إن ابن تيمية وإن كان ذاع صيته وكثرت مؤلفاته وأتباعه، هو كما قال فيه المحدث الحافظ الفقيه وليّ الدين العراقي ابن شيخ الحفّاظ زين الدين العراقي في كتابه الأجوبة المرضيّة على الأسئلة المكيّة [علمه أكبر من عقله]، وقال أيضا
[إنه خرق الإجماع في مسائل كثيرة قيل تبلغ ستين مسألة بعضها في الأصول وبعضها في الفروع خالف فيها بعد انعقاد الإجماع عليها]. اهـ. وتبعه على ذلك خلقٌ من العوام وغيرهم، فأسرع علماء عصره في الردّ عليه وتبديعه، منهم الإمام الحافظ تقي الدين علي ابن عبد الكافي السبكي قال في الدرّة المضية ما نصّه (1) [أما بعد، فإنه لمّا أحدث ابن تيمية ما أحدث في أصول العقائد، ونقض من دعائم الإسلام الأركان والمعاقد، بعد أن كان مستترا بتبعية الكتاب و السُّنة، مظهرا أنه داع ٍ إلى الحقّ هاد ٍ إلى الجنة، فخرج عن الاتّباع إلى الابتداع، وشذ ّ عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع، وقال بما يقتضي الجسميّة والتركيب في الذات المقدّس، وأن الافتقار إلى الجزء- أي افتقار الله إلى الجزء- ليس بمحال (2)، وقال بحلول الحوادث بذات الله تعالى، وأن القرآن مُحدَث تكلم الله به بعد أن لم يكن، وأنه يتكلم ويسكت ويحدث في ذاته الإرادات بحسب المخلوقات، وتعدى في ذلك إلى استلزام قِدَم العالم، والتزامه بالقول بأنه لا أول للمخلوقات فقال بحوادثٍ لا أول لها ، فأثبت الصفة القديمة حادثة والمخلوق الحادث قديما، ولم يجمع أحد هذين القولين في ملة من الملل ولا نِحلة من النحل، فلم يدخل في فرقة من الفرق الثلاث والسبعين التي افترقت عليها الأمة، ولا وقفت به مع أمة من الأمم هِمّة، وكل ذلك وإن كان كفرا شنيعا مما تَقِلَّ جملته بالنسبة لما أحدث في الفروع]. اهـ

وقد أورد كثيرا من هذه المسائل الحافظ أبو سعيد العلائي شيخ الحافظ العراقي، نقل ذلك المحدَّث الحافظ المؤرخ شمس الدين بن طولون في ذخائر القصر، قال ما نصه
(3) [ذكر المسائل التي خالف فيها ابن تيمية الناس في الأصول والفروع، فمنها ما خالف فيها الإجماع، ومنها ما خالف فيها الراجح من المذاهب، فمن ذلك: يمين الطلاق، قال بأنه لا يقع عند وقوع المحلوف عليه بل عليه فيها كفارة يمين، ولم يقل قبله بالكفارة أحد من المسلمين البتة، ودام إفتاؤه بذلك زمانا طويلآ وعظم الخطب، ووقع في تقليده جمّ غفير من العوام وعمّ البلاء. وأنَّ طلاق الحائض لا يقع وكذلك الطلاق في طهر جامع فيه زوجته، وأن الطلاق الثلاث يرد إلى واحدة، وكان قبل ذلك قد نقل إجماع المسلمين في هذه المسألة على خلاف ذلك وأنَّ من خالفه فقد كفر، ثم إنه أفتى بخلافه و أوقع خلقا كثيرا من الناس فيه. و أنَّ الحائض تطوف في البيت من غير كفارة وهو مباح لها. وأنَّ المكوس حلال لمن أقطعها، وإذا أخذت من التجار أجزأتهم عن الزكاة وان لم تكن باسم الزكاة ولا على رسمها. وأنَّ المائعات لا تنجس بموت الفأرة ونحوها فيها وأن الصلاة إذا تركت عمدا لا يشرع قضاؤها. وأنَّ الجنب يصلي تطوعه بالليل بالتيمم ولا يؤخره إلى أن يغتسل عند الفجر وإن كان بالبلد، وقد رأيت من يفعل ذلك ممن قلَّده فمنعته منه. وسئل عن رجل قدّم فراشا لأمير فتجنب بالليل في السفر، ويخاف إن اغتسل عند الفجر أن يتهمه أستاذه بغلمانه فأفتاه بصلاة الصبح بالتيمم وهو قادر على الغسل. وسئل عن شرط الواقف فقال: غير معتبر بالكلية بل الوقف على الشافعية يصرف إلى الحنفية وعلى الفقهاء يصرف إلى الصوفية وبالعكس، وكان يفعل هكذا في مدرسته فيعطي منها الجند والعوام، ولا يحضر درسا على اصطلاح الفقهاء وشرط الواقف بل يحضر فيه ميعادا يوم الثلاثاء ويحضره العوام ويستغني بذلك عن الدرس. وسئل عن جواز بيع أمهات الأولاد فرجحه وأفتى به. ومن المسائل المنفرد بها في الأصول مسألة الحسن والقبح التي يقول بها المعتزلة، فقال بها ونصرها وصنف فيها وجعلها دين الله بل ألزم كل ما يبنى عليه كالموازنة في الأعمال. وأما مقالاته في أصول الدين فمنها قوله: إنَّ الله سبحانه محل الحوادث، تعالى الله عما يقول علوا كبيرا. وانه مركب مفتقر إلى ذاته افتقار الكل إلى الجزء. وان القرءان مُحدَث في ذاته تعالى. و أنَّ العالم قديم بالنوع ولم يزل مع الله مخلوق دائما، فجعله موجبا بالذات لا فاعلا بالاختيار، سبحانه ما أحلَمَه. ومنها قوله بالجسمية والجهة والانتقال وهو مرد ود. وصرَّح في بعض تصانيفه بأن الله تعالى بقدر العرش لا أكبر منه ولا أصغر، تعالى الله عن ذلك، وصنّفَ جزءا في أنَّ علم الله لا يتعلق بما لا يتناهى كنعيم أهل الجنة، وأنه لا يحيط بالمتناهي، وهي التي زلق فيها بعضهم، ومنها أنَّ الأنبياء غير معصومين، وأنَّ نبينا عليه وعليهم الصلاة والسلام ليس له جاه ولا يتوسل به أحد إلا ويكون مخطئا، وصنف في ذلك عدة أوراق. وأنَّ إنشاء السفر لزيارة نبينا صلى الله عليه و سلم معصية لا يقصر فيها الصلاة، وبالغ في ذلك ولم يقل بها أحد من المسلمين قبله. وأنَّ عذاب أهل النار ينقطع ولا يتأبد حكاه بعض الفقهاء عن تصانيفه. ومن أفراده أيضا أنَّ التوراة والإنجيل لم تبدل ألفاظهما بل هي باقية على ما. أنزلت وإنما وقع التحريف في تأويلها، وله فيه مصنف، هذا ءاخر ما رأيت، وأستغفر الله من كتابة مثل هذا فضلآ عن اعتقاده]. ا.هـ

------------------------
(1) انظر مقدمة الدرة المضية للإمام السبكي
(2) معنى هذا الكلام أنّ الله مركب من أجزاء ويحتاج إلي تلك الأجزاء والعياذ بالله.
(3) أنظر ذخائر القصر (ص/69), مخطوط.

رابط ذو صله :
القسم : التيمية ومجسمة الحنابلة
الزيارات : 6394
التاريخ : 4/6/2011