الرد على الألباني في إنكاره أن السماء قبلة الدعاء
الحمد لله رب العالمي وسلام على المرسلين وبعد,
وأما قول المتمسلف الألباني ومن سار على منهجهم ومنهجه [ولذلك من زعم أن السماء قبلة الدعاء فقد خالف أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم ودرج على غير فهم السلف الصالح... وشوَّه فطرة الله].اهـ
انظر كيف افترى على رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: فقد خالف الرسول، أين في قول الرسول وقول السلف الصالح أن السماء ليست قبلة الدعاء.؟؟؟ ثم إن الأباني يريد بهذا الكلام إثبات الجهة لله تعالى وهي جهة فوق وأن النبي علَّم أصحابه ذلك لقوله: فقد خالف الرسول ، وأن الصحابة فهموا من رفع اليد بالدعاء إلى السماء أن الله في جهة فوق وذلك لقوله: ودرج على غير فهم السلف الصالح وشوه فطرة الله. وهل يقول هذا ذو لب. وقد تواردت النصوص عن السلف الصالح أن الله لا مكان لـه ولا جهة بدلالة قوله تعالى {ليس كمثله شىء} وقوله صلى الله عليه وسلم "كان الله ولم يكن شىء غيره". رواه البخاري وغيره. ثم إن الإجماع منعقد على أن السماء قبلة الدعاء وقد نقل غير واحد الاجماع على ذلك، قال الله تعالى {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين لـه الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} [النساء 115] وقال عليه السلام "لا تجتمع أمتي على ضلالة" فإن الله عزَّ وجل عصم هذه الأمة من أن تجتمع على ضلالة وهذا شروع في بيان نصوص العلماء على أن السماء قببلة الدعاء نقول وبالله التوفيق:
تعلق الخصم لإثبات الجهة برفع الأيدي الى السماء عند المناجاة والدعاء باطل لِما ليس في ذلك دليل كونه تعالى في تلك الجهة فقد روى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "لما استسقى أشار بظهور كَفَّيْهِ إلى السماء"، فلو كان الله في جهة فوق على زعم الوهابية تبعا لابن تيمية في المعتقد المخالف لِما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وما نصَّ عليه القرءان وما أجمع عليه المسلمون أن الله مُنَزَّهُ الذاتِ عن الاختصاص بالجهات لَما أشارَ النبيُّ بظهور كَفَّيْهِ إلى السماء وقد قال صلى الله عليه وسلم "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد". والله تعالى يقول {فلما اتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين} إلى قوله {يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين} فهل يقول هؤلاء المتمسكين بظواهر ما تشابه من القرءان و الحديث أن الله عز وجل كان في تلك البقعة، وفي قوله تعالى {أقبل} فهل يقولون إقبال مسافة بينه وبين البارئ وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه الترمذي: والذي نفسُ محمَّدٍ بيدهِ لو أنَّكُم دَلَّيْتُم رجلاً بحبل إلى الأرض السُفلى لَهَبَطَ على الله ثم قرأ {هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم} قال القاضي أبو بكر ابن العربي: قال أبو عيسى قوله: لهبط على الله أي على علم الله وأنَّ علم الله لا يحل في مكان ولا ينتسب إلى جهة كما أنه سبحانه كذلك. وقال الحافظ السخاوي في المقاصد الحسنة: وكذا قال شيخنا -أي الحافظ ابن حجر العسقلاني- معناه أن علم الله يشمل جميع الأقطار والتقدير لهبط على علم الله والله سبحانه وتعالى منـزه عن الحلول في الأماكن فإنه سبحانه وتعالى كان قبل أن تحدث الأماكن. وقال الحافظ البيهقي: والذي روي في ءاخر هذا الحديث إشارة إلى نفي المكان عن الله تعالى وأن العبد أينما كان فهو في القرب والبعد من الله سواء. وقال القاضي أبو بكر بن العربي: والمقصود من الخبر أن نِسْبَةَ البارئ من الجهات إلى فوقٍ كنسبتهِ إلى تحت إذ لا يُنْسَبُ إلى الكَوْنِ في واحدة منهما بذاته. وقال أيضا في العارضة على شرح الترمذي: وأما قوله صلى الله عليه وسلم "السخي قريب من الله قريب من الجنة" ليس يُريدُ به قُرْبَ المسافة وأن ذلك محال على الله إذ لا يَحِلُّ الجهات ولا ينزل الأماكن ولا تكتنفه الأقطار.
وكذلك قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري ومسلم "اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنما تدعون سميعا قريبا هو أقرب إلى أحدكم من عُنُقِ راحلته" فالقائل بأن الله تعالى متحيّز في السماء بدعوى رفع الأيدي إلى السماء أو متمسكا بظاهر قوله تعالى {ءأمنتم من في السماء} أو بحديث الجارية ماذا يقول في هذا الحديث وهو أصح من حديث الجارية فلو حُمل هذا الحديث على ظاهره لكان إثبات تحيّزٍ لله بين الرجل وبين عنق راحلته وهذا ينقض معتقدهم أنه مستقر فوق العرش بمماسة أو بدون مماسة فماذا يفعلون؟ وماذا يقولون في قوله تعالى حكاية عن إبراهيم {وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين} ومن المعروف أن إبراهيم كان ذاهب إلى بر الشام باتفاق المفسرين وماذا يقولون في قوله تعالى {وهو معكم أينما كنتم} وفي قوله تعالى {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله} وفي قوله: {يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب} وفي قوله {فأينما تولوا فثمَّ وجه الله} وفي قوله {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله} وقوله {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} وفي قوله {وهو الله في السموات وفي الأرض} وفي قوله {ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم} وفي قوله تعالى {الرحمن على العرش استوى} وفي قوله تعالى {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} وفي قوله تعالى {ألا إنه بكل شىء محيط}، فإن حملوا هذه الآيات على ظاهرها كان المعنى أن الله في السماء بذاته وفي الأرض ومطوي وفي بر الشام ومع كل إنسان بذاته وعلى العرش بذاته وفي كل جهة يولي الشخص فيها وجهه وهل يقول هذا عاقل؟ وماذا يقولون في قولـه تعالى {ونفخ في الصور فصَعِقَ من في السموات والأرض} فهؤلاء القائلون بأن الله في السماء بذاته جعلوا الله مصعوقا نعوذ بالله من مسخ القلوب. وإن أوَّلوا هذه الآيات وتمسكوا بظاهر ءاية {ءأمنتم من في السماء} وحديث الجارية فهذا تحكم أي تقول بلا دليل. والله تعالى يقول في ذم الكافرين {أفتـؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض}، وقال تعالى {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} فثبت بهذه الآية ثبوتا قطعيا أن الظاهر غيرُ مُرادٍ وإلا كان فيه اختلافا كثيرا أي تناقضا كما قال ابن عباس في تفسير: [اختلافا] وابن زيد والجمهور. وفيما كتبنا من الآيات والأحاديث دلالة واضحة وضوح الشمس على إبطال قول من زعم من الجهمية وابن تيمية وظلِّه ابن قيم الجوزية وأتباعهم الوهابية ومن نحل نحلتهم من حزب الإخوان وغيرهم أن الله سبحانه وتعالى بذاته في السماء أو في كل مكان. وأما قوله عز وجل {وهو معكم أينما كنتم} إنما أراد به بعلمه لا بذاته ثم المذهب الصحيح في جميع ذلك الاقتصار على ما ورد به التوقيف دون التكييف.
وقد أشار النسفي فيما نقله الزبيدي فقال: ورفعُ الأيدي والوجوه عند الدعاء تعبد محض كالتوجه إلى الكعبة في الصلاة فالسماء قبلة الدعاء كالبيت قبلة الصلاة. اهـ وقال الإمام تقي الدين السبكي في رده على ابن زفيل: إن القلب متوجه إلى الرب العالي قدْراً وقهراً على كل شىء والإشارة إلى جهة العلو التي هي محل ملكه وسلطانه وملائكته والعليين عن خلقه وقبلة دعائه ومنـزل وحيه وهكذا رفع الأيدي في الدعاء.اهـ
قال حافظ عصرنا عبد الله العبدري: فهذا كما أنهم أُمروا بالتوجه في الصلاة إلى الكعبة وليس هو في الكعبة، وأُمروا برمي أبصارهم إلى موضع سجودهم حالة القيام في الصلاة بعد نزول قوله تعالى {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون} [المؤمنون: 2] بعدما كانوا يصلون شاخصةً أبصارَهُم نحو السماء وليس هو في الأرض، وكذا حالةَ السجود أُمروا بوضع الوجوه على الأرض وليس هو تعالى تحت الأرض، فكذا هذا. اهـ فقد روى الإمام مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لَيَنْتَهِيَنَّ أقوامٌ يَرفَعونَ أبصارَهُمْ إلى السَّماء في الصَّلاة، أو لا ترجِعُ إليهم" قال النووي: فيه النهي الأكيد والوعيد الشديد في ذلك، وقد نقـل الاجماع في النهي عن ذلك، قال القاضي عياض: واختلفوا في كراهة رفع البصر إلى السماء في الدعاء في غير الصلاة، فكرهه شُرَيْحٌ وءاخرون وجوزه الأكثرون وقالوا: لأن السماء قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة، ولا ينكر رفع الأبصار إليها كما لا يكره رفع اليد قال الله تعالى {وفي السماء رزقكم وما توعدون} [سورة الذاريات 22].اهـ ومثله قال الحافظ ابن حجر في الفتح.
قال الإمام مرتضى الزبيدي في الإتحاف: فإن قيل إذا كان الحق ليس في جهة فما معنى رفع الأيدي بالدعاء نحو السماء؟ فالجواب من وجهين ذكرهما الطرطوشي: أحدهما: أنه مَحَلُ تَعَبُدٍ كاستقبالِ الكعبةِ في الصلاةِ وإلصاقِ الجبهةِ بالأرضِ في السجودِ مع تَنَزُهِهِ سبحانه وتعالى عن مَحَلِّ البيت ومحلِّ السجودِ، فكانت السماء قبلة الدعاء. وثانيهما: أنها لما كانت مهبط الرزق والوحي وموضع الرحمة والبركة على معنى أن المطر ينـزل منها إلى الأرض فيخرج نباتا وهي مسكن الملأ الأعلى فإذا قضى الله أمراً ألقاه إليهم فيلقونه إلى أهل الأرض وكذلك الأعمال ترفع وفيها غير واحد من الأنبياء وفيها الجنة التي هي غاية الأمانِيِّ فلما كانت معدن لهذه الأمور العظام ومعرفة القضاء والقدر تصرفت الهمم إليها وتوفرت الدواعي عليها.اهـ
قال ابن جهبل في رده على العقيدة الحموية لابن تيمية: ورفع الأيدي إلى السماء لأجل أن السماء منـزل البركات والخيرات ولأن الأنوار إنما تتنـزل منها والأمطار وإذا ألف الإنسان حصول الخيرات من جانب مال طبعه إليه فهذا المعنىهو الذي أوجب رفع الأيدي إلى السماء قال الله تعالى {وفي السماء رزقُكم وما توعدون} [الذاريات 22] اهـ.
قال الإمام أبو سعيد المتولي في كتاب الغنية في أصول الدين: فرفع اليد إلى السماء ليس لأن الله تعالى في مكان ولكن لأن السماء قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة في حال القيام، والأرض قبلة في حال الركوع والسجود وليعلم أن الله تعالى ليس في الكعبة ولا في الأرض. اهـ
وفي كتاب المسامرة للكمال بن أبي شريف بشرح المسايرة للكمال بن الهمام: فإن قيل فما بال الأيدي ترفع إلى السماء وهي جهة العلو أجيب بأن السماء قبلة الدعاء تستقبل بالأيدي كما أن البيت قبلة الصلاة يستقبل بالصدر والوجه، والمعبود بالصلاة والمقصود بالدعاء منـزه عن الحلول بالبيت والسماء. اهـ
قال الشيخ دحلان الكديري في سراج الطالبين على منهاج العابدين: والله تبارك وتعالى مُقدسٌ عن أن يحويه مكان فيشار إليه أو تضمه جهة، وإنما اختصت السماء برفع الأيدي إليها عند الدعاء لأنها جعلت قبلة الأدعية كما أن الكعبة جعلت قبلة للمصلي يستقبلها في الصلاة. اهـ
قال الإمام الغزالي في الإحياء: فأما رفع الأيدي عند السؤال إلى جهة السماء لأنها قبلة الدعاء. وفيه أيضا إشارة إلى ما هو وصف للمدعو من الجلال والكبرياء تنبيها بقصد جهة العلو على صفة المجد والعلاء، فإنه تعالى فوق كل مُوجَدٍ بالقهر والاستيلاء. اهـ
قال الإمام القرطبي في الجامع: وإنما ترفع الأيدي بالدعاء إلى السماء لأن السماء مهبط الوحي ومنزل القطر ومحل القدس ومعدن المطهرين من الملائكة وإليها ترفع أعمال العباد وفوقها عرشه وجنته كما جعل الله الكعبة قبلة للدعاء والصلاة ولأنه خلق الأمكنة وهو غير محتاج إليها وكان في أزله قبل خلق المكان والزمان ولا مكان له ولا زمان وهو الآن على ما عليه كان. اهـ
قال الشيخ زاهد الكوثري في تعليقه على السيف الصقيل: لكن رفعهم الأيدي إلى السماء ليس فيه شىء من الدلالة على استقرار وجود ذاته في السماء وإنما ذلك لمجرد أن السماء قبلة الدعاء ومنزل الأنوار والأمطار والخيرات والبركات {وفي السماء رزقكم وما توعدون}. اهـ
وقال العلامة البياضي الحنفي في كتابه إشارات المرام عند قول أبي حنيفة الإمام ما نص [هو أنه تعالى يدعى من أعلى] للإشارة إلى ما هو وصف للمدعوّ تعالى من نعوت الجلال وصفات الكبرياء والألوهية والاستغناء [لا من أسفل، لأن الأسفل] أي الإشارة إليه [ليس من وصف الربوبية والألوهية] والكبرياء والفوقية بالاستيلاء [في شئ] فأشار إلى الجواب بأن رفع الأيدي عند الدعاء إلى جهة السماء ليس لكونه تعالى فوق السموات العلى بل لكونها قبلة الدعاء، إذ منها يتوقع الخيرات ويستـنـزل البركات لقوله تعالى {وفي السماء رِزقُكم وما تُوعدون} مع الإشارة إلى اتصافه تعالى بنعوت الجلال وصفات الكبرياء وكونه تعالى فوق عباده بالقهر والاستيلاء. اهـ
قال الفخر الرازي في أساس التقديس: الشبهة الرابعة: تمسكوا برفع الأيدي إلى السماء، قالوا: وهذا شىء يفعله أرباب النِّحَل فدل على أنه تقرر في جميع عقول الخلق كون الإله في جهة فوق. الجواب: أن هذا معارض بما تقرر في جميع عقول الخلق أنهم عند تعظيم خالق العالم يضعون جباههم على الأرض ولما لم يدل هذا علىكون خالق العالم في الأرض لم يدل ما ذكروه على أنه في السماء، وأيضا فالخلق إنما يقدمون على رفع الأيدي إلى السماء لوجوه أخرى وراء اعتقادهم أن خالق العالم في السماء:ـ الأول: أن أعظم الأشياء نفعا للخلق ظهور الأنوار وأنها إنما تظهر من جانب السموات. الثاني: أن نزول الغيث من جهة الفوق، ولما كانت هذه الأشياء التي هي منافع الخلق إنما تنزل من جانب السموات لا جَرَمَ كان ذلك الجانب عندهم أشرف وتعلق الخاطر بالأشرف أقوى من تعلقه بالأخنس وهذا هو سبب في رفع الأيدي إلى السماء وأيضا أنه تعالى جعل العرش قبلة لدعائنا كما جعل الكعبة قبلة لصلاتنا، وأيضا أنه تعالى جعل الملائكة وسائط في مصالح هذا العالم قال تعالى {فالمدبرات أمرا} وقال تعالى {فالمقسمات أمرا}. وأجمعوا على أن جبريل عليه السلام ملك الوحي والتنـزيل والنبوة، وميكائيل ملك الأرزاق، وعزرائيل ملك الموت ملك الوفاة، وكذا القول في سائر الأمور، وإذا كان الأمر كذلك لم يـبعد أن يكون الغرض من رفع الأيدي إلى السماء رفع الأيدي إلى الملائكة وبالله التوفيق. اهـ