اعلم رحمنا الله وإياك أن زيارة النساء للقبور أمر جائزٌ حلالٌ حلالٌ لا إشكال فيه، فقد روى الحافظ أبو عبدالله الحاكم (ت 405) في المستدرك بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه أن فاطمة بنت النبيّ صلى الله عليه وسلم كانت تزور قبر عمها حمزة (رضي الله عنه) كل جمعة فتصلي وتبكي عنده، قال الحاكم: هذا الحديث رواته عن آخرهم ثقات، وقد استقصيتُ في الحث على زيارة القبور تحرّياً للمشاركة في الترغيب، ﻭﻟﻴﻌﻠﻢ الشحيح ﺑﺬﻧﺒﻪ ﺃﻧﻬﺎ ﺳﻨﺔ ﻣﺴﻨﻮﻧﺔ. اهـ.
وقال كذلك في باب الرخصة في زيارة القبور بعد ذكر حديث "لعن رسول الله زوارات القبور" ما نصه: وهذه الأحاديث المروية في النهي عن زيارة القبور منسوخة (أي توقف العمل بها)، والناسخ لها حديث علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه عن النبيّ "كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها". ﺍﻫـ، والمعنى أن النهي انتهى العمل به، كان في أول الأمر ثم انتهى، هكذا يقول الحاكم رحمه الله لأن لفظ "فزوروها" عام يشمل الذكور والإناث.
وﻗﺎﻝ ﺍﻟﺤﺎﻓﻂ ﺍﺑﻦ ﺣﺠﺮ ﻓﻲ ﺷﺮﺡ ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ: ﻭﺍﺧﺘﻠﻒ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ، ﻓﻘﻴﻞ ﺩﺧﻠﻦ ﻓﻲ ﻋﻤﻮﻡ ﺍﻹﺫﻥ (يعني حديث فزوروها) ﻭﻫﻮ ﻗﻮﻝ ﺍﻷﻛﺜﺮ (أي أكثر العلماء)، ﻭﻣﺤﻠﻪ ﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﺃﻣﻨﺖ ﺍﻟﻔﺘﻨﺔ. ﻭﻳﺆﻳﺪ ﺍﻟﺠﻮﺍﺯ ﺣﺪﻳﺚ ﺍﻟﺒﺎﺏ (يعني الحديث الذي يشرحه من البخاري)، ﻭﻣﻮﺿﻊ ﺍﻟﺪﻻﻟﺔ ﻣﻨﻪ ﺃﻧﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻟﻢ ﻳﻨﻜﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻗﻌﻮﺩﻫﺎ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻘﺒﺮ، ﻭﺗﻘﺮﻳﺮُﻩ صلى الله عليه وسلم ﺣُﺠﺔ (معناه لو كان حراماً لنهاها لأن النبيّ لا يسكت عن الحرام من غير إنكار). ﻭﻣﻤﻦ ﺣﻤﻞ ﺍﻹﺫﻥ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻮﻣﻪ ﻟﻠﺮﺟﺎﻝ ﻭﺍﻟﻨﺴﺎﺀ، (أم المؤمنين) ﻋﺎﺋﺸﺔ (وكفى بها حجة رضي الله عنها)، ﻓﺮﻭﻯ اﻟﺤﺎﻛﻢ من ﻃﺮﻳﻖ ﺍﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻣﻠﻴﻜﺔ ﺃﻧﻪ ﺭﺁﻫﺎ ﺯﺍﺭﺕ ﻗﺒﺮ أخيها ﻋﺒﺪﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻬﺎ: ﺃﻟﻴﺲ ﻗﺪ ﻧﻬﻰ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ؟، ﻗﺎﻟﺖ ﻧﻌﻢ ﻛﺎﻥ ﻧﻬﻰ ﺛﻢ ﺃﻣﺮ ﺑﺰﻳﺎﺭﺗﻬﺎ".
ﻗﻠﻨﺎ ﻭﻳﺆﻳﺪ ﺍﻟﺠﻮﺍﺯ ﻣﺎ ﺭﻭﺍﻩ ﻣﺴﻠﻢ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ ﻗﺎﻟﺖ ﻗﻠﺖ: ﻛﻴﻒ ﺃﻗﻮﻝ ﻟﻬﻢ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠّﻪ (ﺗﻌﻨﻲ ﺇﺫﺍ ﺯﺍﺭﺕ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭ)، ﻗﺎﻝ "ﻗﻮﻟﻲ: ﺍﻟﺴّﻼﻡ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪّﻳﺎﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻭﻳﺮﺣﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺪﻣﻴﻦ ﻣﻨّﺎ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﺄﺧﺮﻳﻦ، ﻭﺇﻧّﺎ ﺇﻥ ﺷﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻜﻢ ﻟﻼﺣﻘﻮﻥ". ﻭﺍﺳﺘﺪﻝ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ ﺑﺎﻟﻜﺮﺍﻫﺔ ﺑﺤﺪﻳﺚ ﺃﻡّ ﻋﻄﻴّﺔ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠّﻪ ﻋﻨﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺸﻴﺨﻴﻦ (البخاري ومسلم) ﻗﺎﻟﺖ: ﻧُﻬﻴﻨﺎ ﻋﻦ ﺍﺗّﺒﺎﻉ ﺍﻟﺠﻨﺎﺋﺰ ﻭﻟﻢ ﻳُﻌﺰﻡ ﻋﻠﻴﻨﺎ. ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺍﺑﻦ ﺣﺠﺮ: ﻗﻮلها "ﻭﻟﻢ ﻳُﻌﺰﻡ ﻋﻠﻴﻨﺎ" ﺃﻱ ﻭﻟﻢ ﻳﺆكد ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﻊ ﻛﻤﺎ ﺃﻛﺪ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻓﻲ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﻬﻴﺎﺕ، ﻓﻜﺄﻧﻬﺎ ﻗﺎﻟﺖ ﻛُﺮﻩ ﻟﻨﺎ ﺍﺗﺒﺎﻉ ﺍﻟﺠﻨﺎﺋﺰ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺗﺤﺮﻳﻢ. ﻭﻗﺎﻝ ﺍﻟﻘﺮﻃﺒﻲ: ﻇﺎﻫﺮ ﺳﻴﺎﻕ ﺃﻡ ﻋﻄﻴﺔ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﻬﻲ نهي تنزيه ﻭﺑﻪ ﻗﺎﻝ ﺟﻤﻬﻮﺭ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﻠﻢ، ﻭﻣﺎﻝ ﻣﺎﻟﻚ (وهو نعم الإمام رضي الله عنه) ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﻮﺍﺯ ﻭﻫﻮ ﻗﻮﻝ ﺃﻫﻞ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ. ﻭﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻮﺍﺯ ﻣﺎ ﺭﻭﺍﻩ ﺍﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺷﻴﺒﺔ ﻣﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻣﺤﻤﺪ بن ﻋﻤﺮﻭ بن ﻋﻄﺎﺀ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺟﻨﺎﺯﺓ ﻓﺮﺃﻯ ﻋﻤﺮ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻓﺼﺎﺡ ﺑﻬﺎ ﻓﻘﺎﻝ صلى الله عليه وسلم "ﺩﻋﻬﺎ ﻳﺎ ﻋﻤﺮ" ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺍﺑﻦ ﻣﺎﺟﻪ ﻭﺍﻟﻨﺴﺎﺋﻲ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ، ﻭﻣﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺃﺧﺮﻯ ﻋﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ ﻋﻄﺎﺀ ﻋﻦ ﺳﻠﻤﺔ ﺑﻦ ﺍﻷﺯﺭﻕ ﻋﻦ أﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﻭﺭﺟﺎﻟﻪ ثقات. اهـ.
وفي السنن الكبرى للبيهقي قال: وقد روينا في الحديث الثابت عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بامرأة عند قبر وهي تبكي فقال لها "اتقي الله واصبري"، وليس في الخبر أنه نهاها عن الخروج إلى المقبرة، وفي ذلك تقوية لما روينا عن عائشة رضي الله عنها. اهـ. ومعنى كلام البيهقي أنه لو كان حراماً لنهاها صلى الله عليه وسلم. وفي ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﻘﻨﻊ ﻓﻲ ﻓﻘﻪ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ ﻻﺑﻦ ﻗﺪﺍﻣﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪسي ﻣﺎ ﻧﺼﻪ: ﻓﺼﻞ: ﻳﺴﺘﺤﺐ ﻟﻠﺮﺟﺎﻝ ﺯﻳﺎﺭﺓ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭ، ﻭﻫﻞ ﺗﻜﺮﻩ ﻟﻠﻨﺴﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺭﻭﺍﻳﺘﻴﻦ. انتهى. ومعنى كلامه أنه هل تكره أم لا تكره فيه روايتان أي عن الإمام أحمد بن حنبل، وهذا مع استثناء القبر الشريف فإنه يستحبّ زيارته صلى الله عليه وسلم بالإجماع للرجال والنساء كما ذكر البهوتي في كشاف القناع وهو كتاب مشهور لدى الحنابلة، وهو حجة على جماعة ابن تيمية والوهابية الذين همهم التشويش على المسلمين وتحريم ما أحل الله تعالى.
رابط ذو صله : | |
القسم : | مقالات وردود شرعية |
الزيارات : | 3619 |
التاريخ : | 29/7/2014 |
|