www.sunnaonline.org

كفوا عنا تطرفكم


التطرف والإرهاب كلمتان هما من أكثر الكلام تداولاً في هذا الزمن ولن أدخل في المعاني اللغوية والإصطلاحات ولكن لابد من وقفة، وقد أخذت على عاتقي كشف شبهات المتطرفين منذ زمن بعيد بالعلم والبيان، وصحيح أن الأحزاب المتطرفة حَمّلت المسلمين عبئاً وحملاً من جراء الفتاوى الفاسدة والتوجهات المنحرفة، إلا أن الإشارة اليوم إلى أن التطرف شديد في الكلام على الأنبياء بحقد وافتراء، وكما هو عند بعض المسلمين كذا عند غير المسلمين يوجد تطرف وتعصب بغيض لايرضى به أصحاب العقول السليمة والأفكار المنورة من تشويش لصور وسير الأنبياء ودس الإفتراءت على الشرائع التى جاء بها الأنبياء، ولاسيما سيرة نبي الله محمد عليه الصلاة والسلام والتي هي من السير التي حفظت على مر العصور والدهور ففي العصور الماضيةِ والأحقاب السّالفة عاش كثيرٌ من العظماء ورجالات التأريخ، نقلتِ الأنباء أخبارَهم، ودوّنت الكتب أوصافهم، وسجّلت المدوّنات أحوالَهم،غيرَ أنه لا يوجد أحدٌ من هؤلاء العظماء والرجال من نُقلت أخباره ودُوّنت صفاته وحُفظت سيرته وكُتِب سجلّ حياتِه كما كان لنبينا محمد ، لقد وصَلَ إلينا ذلك بالنّقل المتواتر.ا

إنَّ سيرةَ رسول الله محمدٍ أصحُّ سيرةٍ لتأريخ نبيّ مرسَل، سيرة واضحة مدقّقة في جميع أطوارها ومراحلها، حتى قال كاتب من غير المسلمين "محمّد هو النبي الوحيد الذي وُلِد تحت ضوء الشمس"، إشارةً من هذا الكاتب إلى دقّة سيرته عليه الصلاة والسلام وصحّتها وتوازنها ووضحها وضبط أسانيدها. نقول ذلك ليس لإيثار فتن ولكن لرد حملة متطرفة الفكر تعمل مشوشة تريد النيل من سير النبي محمد فضلاً على النيل من سير إخوانه الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. إني أدعوا العقلاءَ لنبذ هذا التعصّب المقيت وممارسة هذا الإرهاب الفكري الذي يقود إلى تأجيج الأحقاد واستفزازِ الشعوب وحلولِ الكوارث التي يكتوي بنارِها المجتمع، وإنَّ الهجوم على الإسلام ونبيّ الإسلام لا يزيد الدّين وأهلَه إلا صلابةً وثباتاً وانتشاراً وظهوراً، وفي كتاب الله تعالى {هُوَ ٱلَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدّينِ كُلّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً} سورة الفتح، ءاية 28.ا

إنّهم يعلمون أنّ الذين يدخلون في دين الإسلام في ازدياد وتنامي على الرّغم من كلّ الظروف والمتغيّرات والأحداث والمقاومات وما تسببه البعض ممن ينتسون إلى الإسلام من تشويه للحقائق بسبب تطرفهم وغلوهم ، والتشويه للإسلام وأهله ونبيِّه وقرآنه. إنّنا ندعو كل منصف وكلَّ طالبٍ للحقيقة أن يقرأ دينَنا من مصادره،ا
ومن أهل العلم وأن يطّلع على سيرة نبينا محمد، من أهل الإعتدال من المسلمين فالرسول هو المثل الأكبر للمسلمين وليست الأسماء والرموز التى تدعي التكلم وصاية عن المسلمين فالسيرة النبوية مدوّنة محفوظة تدوينًا وتوثيقًا لا يدانيه توثيق ولا يقاربه تحقيق. وليعلم طالبُ الحقيقة ومبتغي الإنصاف أنّ المسلمين يكفيهم فخراً وشرفاً أن دينَهم يحرّم كلّ انتقاص أو تكذيبٍ لأيّ نبيٍّ من أنبياء الله، ويأمر باحترام ما جاؤوا به من الحق والهدى قال الله تعالى {شَرَعَ لَكُم مّنَ ٱلِدِينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ} [سورة الشورى، ءاية 13]، {وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ } [سورة الأنعام، ءاية 108].
ا

إنَّ المسلمين يحترمون جميعَ رسل الله، ويوقّرون كلَّ أنبياء الله عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام، قال الله تعالى {ءامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَـئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ} [سورة البقرة، ءاية 285].ا

وقد اقتَضَت إرادةُ الله سبحانه وحكمته أن يختم الأنبياءَ والرسل بمحمد ، وأن يختمَ الرسالات بالشريعة التي جاء بها، ليكونَ للناس بشيراً ونذيراً، وليكون للعالمين رحمة.
ا بعثَه على فترة من الرسل، ضلّ فيها الناس رشادَهم، وجحدوا عقولَهم وقلوبَهم، فصاروا كالأصنام تعبُد الأصنام، وكالحجارة تقدّس الحجارة، ملَؤوا الأرضَ خرافاتٍ وأوهاماً، فلطف الله بعباده، فاصطفى محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ليبلِّغ خاتمةَ رسالاته، ويهديَ بآخر كتبه، فكان بإذن الله الغيثَ نزل على الأرض الموات،ا فتبصّر الضالّون طريقَ النجاة، واستردَّ من تبعه كرامتهم، ثم على طالبِ الحقيقة والإنصاف أن ينظرَ فيما نالته سيرةُ محمد من العناية الفائقة والدقّة البالغة في التدوين والتحقيق والشمول والتصنيف والاستنباط، لقد كانت سيرةً ومسيرة جليّةَ المعالم، كلّها حقٌّ، وكلّها صدق، توثيقاً وكتابة، وقراءة وبحثاً، واستيعاباً واستنباطاً. لم تُحفَظ قصةُ حياةٍ ولا سيرة رجل ولا مسيرة بطل مثلما حُفظت سيرةُ نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. سيرةٌ لم تلحقها الأساطير والأوهام، إنّ الذين وصفوه ودوّنوا سيرتَه أحبّوه والتزموا الاقتداءَ به، فاجتمع في وصفهم وتدوينهم أمانةُ النقل مع محبّة الموصوف، فامتزجت لديهم العاطفةُ بالدين والحب بالأمانة، فكانوا في نقلهم يؤدّون واجباً ويتّبعون سُنّة، فسلموا من الكذب والتحريف والتناقض والجهل، لقد ضمّت السيرةُ النبوية جميعَ شؤون رسول الله وتفاصيل حياته وأطوار عمره، من الولادة والرضاعة والطفولة والشباب والكهولة، في حياته قبلَ النبوة، من صدقه وأمانتِه واشتغالِه بالرعي والتجارة وزواجِه، ثم ما حبِّب إليه من الخلوة والتعبُّد، ثمّ بعثته ومواقف قومه العدائية، ومقاومتهم وما واجهوه به من اتهاماتٍ من سحرٍ وجنون وكذب، ثم تزايُدِ أتباعه وعلوِّ شأنه، وما حصل مع قومه من مواجهاتٍ ومهادنات وحروبٍ ومسالمات وما أظهر الله على يديه من كرامات.ا

أمّا حياتُه الشخصية فقد نقل لنا النقلة الأثبات تفاصيلَ أوصافه الجسدية من الطول واللّون والهيئة والمشية وحياته اليوميّة من قيامه وجلوسه ونومه ويقظته وضحكه وغضبه وأكله وشربه ولباسه وما يحبّ وما يكره وعبادته في ليله ونهاره، وحياته مع أهل بيته وفي مسجده وأصحابه مع الأصدقاء ومع الغرباء وفي السفر وفي الحضر،
ا ناهيكم بأخلاقه الكريمة من التواضع والحلم والحياء والصبر وحسن العشرة، بحيث لم يبقَ شيء من حياته مخفياً أو مكتوماً، إذا دخل بيته فهو بين أهله وخدمه وأولاده،ا وإذا خرج فهو مع الأصحاب والغرباء، وكلّ ذلك منقولٌ محفوظ، ولم تلحق حياتَه الأساطير، ولم تُضْفَ عليه صفات الألوهية لا قليلا ولا كثيراً، فهو النبيّ الرسول،ا والرسول الإمام، والرسول الحاكم، والرسولُ الزوج، والرسول الأب، والرسول المجاهد، والرسولُ المربي، والرسول الصديق. العارف بربه المعلم للناس الخير والرشاد،ا محمد أنموذجُ الإنسانية الكاملة والأخلاق الفاضلة، وحامل لواء الدعوة العالمية الشاملة.أعطاه ربُّه وأكرمه، وأعلى قدره ورفع ذكرَه، صفوةُ خلقِ الله، وأكرم الأكرمين على الله، ومع حبِّ المسلمين لنبيّهم عليه الصلاة والسلام وتعظيمِهم له وتوقيرهم لجنابه فإنّ عقيدتهم فيه أنه بشرٌ رسول، عبدٌ لا يعبَد، ورسول لا يكذَّب، بل يُطاع ويُحبّ ويوقَّر ويُتّبع، شرّفه الله بالعبودية والرسالة. قال الله تعالى {النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}سورة الأحزاب، ءاية 6ا، فهو أقربُ إلى قلوبنا من قلوبِنا، وأحبّ إلى نفوسنا من نفوسنا، وهو المقدَّم على أعزّ ما لدينا من نفسٍ أو مال أو ولد أو حبيب، ولن يذوقَ المسلم حلاوةَ الإيمان في قلبه وشعوره ووجدانه إذا لم يكن حبُّ رسول الله فوقَ كلّ حبيب، ففي الحديث الصحيح "ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجدَ حلاوةَ الإيمان؛ أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما".ا

فيا عقلاءَ العالم، هذا هو نبيُّنا، وهذه هي سيرتُه، وهذا هو حبّنا له وإيماننا به ومتابعتنا له، ولن نقبلَ أن ينالَ منه أحد، هؤلاء الذين يسعَون إلى تشويه صورةِ نبيّنا محمد،
ا كما فعلوا ويفعلون من نشر الأغاليط واختلاق الأكاذيب حولَ قرآنِنا وتفسيره والدسّ عليه.إنّها إساءةٌ متتابعة ومتكرّرة تثير مشاعرَ المسلمين , وممّا يؤسَف له أنّ هذه الإساءات تصدر من رجالٍ ينتسبون إلى مؤسسات وكتاب وأعلاميون وجمعيات تتدعى الحوار والمحبة والفكر، اتّهموا نبينا بالكذب وبالجنون وبالسرقة وقطعِ الطريق وسيئ الأفعال، ووصفوا دينَنا بأنه خدعة كبرى.وقراننا بأن فيه أغاليط زوراً وبهتاناً، إنّ هذه المحاولاتِ من التشويه والدسّ والأكاذيب والإفك إنما تسيء إلى العلاقاتِ بين الشعوب، وتبثّ بذورَ الكراهية، وتذكي أجواءَ التعصب البغيض، وتثير أبشعَ صوَر البغضاء بين الناس. إن أمّة الإسلام وقد فاقت أعدادها المليارَ وربع المليار وتقترِب نسبتُها إلى رُبع سكان العالم، إنَّ هذه الأمة كل من ينتسب إليها يحمل في قلبه الحب للأنبياء ومن تبعهم بحق ويردد ويكرر في كل صلاة الطلب من الله تعالى أن يهديه طريق الرسل والأنبياء وأتباعهم في قول الله تعالى {إهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم} فُسر ذلك بصراط الأنبياء ومن تبعهم، وبعد ذلك كلّه مع عِظَم خطره وأليم وقعِه فإنّ المسلمين ليسوا في شكّ من دينهم ولا من نبيّهم، فهذه الاتهامات والأوصاف عينُها سبقَ إليها أهل الجاهليّة الأولى، ولم يكن لها أيّ تأثير في السيرة النبوية ولا المسيرة الإسلامية. فالإسلام دينُ الله، ومحمّد رسول الله، وكلّ ذلك محفوظ بحفظ الله، فلله الحمد والمنة.ا


رابط ذو صله :
القسم : مقالات وردود شرعية
الزيارات : 3144
التاريخ : 16/7/2010