www.sunnaonline.org

ما الدليل على وقوع الطلاق المعلق إجماعا؟

فليعلم أن الطلاق يكون منجَّزاً، ويكون معلَّقاً على شرط، فالمنجز كقوله (أنت طالق)، والمعلَّق كقوله (إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق، وإن دخلت الدار فأنت طالق)، وقد أجمعت الأمة على وقوع المعلَّق كوقوع المنجَّز.

ثم إن الطلاق المعلَّق منه ما يعلق على وجه اليمين، ومنه ما يعلَّق على غير وجه اليمين: فالطلاق المعلَّق على غير وجه اليمين كقوله: (إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق) أو (إن أعطيتني ألفاً فأنت طالق)، والذي على وجه اليمين كقوله: (إن كلمت فلاناً فأنت طالق) أو (إن دخلت الدار فأنت طالق) وهو الذي يقصد به الحث أو المنع أو التصديق، فإذا علَّق الطلاق على هذا الوجه ثم وجد المعلق عليه وقع الطلاق.

قال الإمام الفقيه تقي الدين السبكي رحمه الله تعالى المتوفى سنة 756 هـ في " الدُّرَّةُ الْمُضِـيَّـة في الرَّدِّ علَى ابنِ تَيمِيَّة " ص 12 [وقد اجتمعت الأمة على وقوع الطلاق المعلَّق، سواء كان على وجه اليمين أو لا على وجه اليمين، هذا مما لم يختلفوا فيه وإجماع الأمة معصوم من الخطأ] اهـ.

فقد ذكر الإمام البخاري في صحيحه تعليقا بصيغة الجزم "كِتَاب الطَّلاقِ باب الطَّلاقِ فِي الْإِغْلاقِ وَالْكُرْهِ وَالسَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ وَأَمْرِهِمَا وَالْغَلَطِ وَالنِّسْيَانِ فِي الطَّلاقِ وَالشِّرْكِ وَغَيْرِهِ" [وَقَالَ نَافِعٌ : طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ إِنْ خَرَجَتْ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنْ خَرَجَتْ فَقَدْ بُتَّتْ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ فَلَيْسَ بِشَىءٍ] اهـ.

وهذه فتوى ظاهرها في هذه المسألة بإيقاع الطلاق البتة إن خرجت، وهو وقوع المعلَّق عليه، وبه يحصل الحنث، فأوقع ابن عمر الطلاق على الحالف به عند الحنث في يمينه، ومن مثل ابن عمر رضي الله عنهما في دينه وعلمه وزهده وورعه وصحة فتاويه؟! ولا يُعرَفُ أحدٌ من الصحابة خالف ابن عمر في هذه الفتوى ولا أنكرها عليه.

وروى البيهقي في السنن الكبرى بسند صحيح [ ج 7/356] [عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فِى رَجُلٍ قَالَ لاِمْرَأَتِهِ: إِنْ فَعَلَتْ كَذَا وَكَذَا فَهِىَ طَالِقٌ فَتَفْعَلُهُ قَالَ: هِىَ وَاحِدَةٌ وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا] اهـ.

ومن مثل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي قال النبي [مَنْ أَحَبَّ أَن يَقْرَأَ القُرْءانَ غَضَاً كَمَا أُنْزِلَ، فَلْيَقْرَأُهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْن أُمِّ عَبْدٍ]، رواه أحمد وابن ماجه وأبو يعلى والبزار والطبراني والحاكم وغيرهم ، ولم يخالفه أحد من الصحابة رضي الله عنهم في ذلك.

وكذلك رويت ءاثار صحاح عن علي رضي الله عنه في القول بوقوع الطلاق المعلَّق عند وقوع المعلق عليه، وكذلك صح عن أبي ذر رضي الله عنه علَّقه تعليقًا. وقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها
[كل يمين وإن عظمت ليس فيها طلاق ولا عتاق ففيها كفارة يمين]، فاستثنت يمين الطلاق ويمين العتاق من الكفارة. وهذا الأثر نقله ابنُ عبد البر في (التمهيد) وفي (الاستذكار) بهذا اللفظ مسندًا.

وكل من قال بهذا من العلماء لم يفرِّق بين المعلَّق على وجه اليمين أو لا على وجه اليمين، بل قالوا: الكلُّ يقع. وقد نقل إجماع الأمة على ذلك أئمة لا يرتاب في قولهم، ولا يتوقف في صحة نقلهم. فممن نقل ذلك الإمام الشافعي رضي الله عنه، وناهيك به فانه الإمام القرشي الذي ملأ طبق الأرض علماً، وممن نقل الإجماع على هذه المسألة الإمام المجتهد أبو عبيد، والإمام أبو ثور، والإمام محمد بن جرير الطَّبري، والإمام أبو بكر بن المنذر، ونقله أيضاً الإمام الرباني المشهور بالولاية والعلم محمد ابن نصر المروزي، وغير هؤلاء من الأئمة.

وإذا كانت الأمة مجمعة على وقوع الطلاق لم يجز لأحد مخالفتهم، فإن الإجماع من أقوى الحجج الشرعية، وقد عصم الله هذه الأمة عن أن تجتمع على الخطأ فإن إجماعهم صواب.


رابط ذو صله : http://www.sunnaonline.org
القسم : المعاملات والنكاح
الزيارات : 4927
التاريخ : 1/4/2011